اننا لا نعارض الرئيس لأنه
محمد ولد عبد العزيز.. لأننا لا نمتلك أحقادا شخصية ضد الكائنات.. إننا
نعارضه لانه يمتص دماء الناس ويكذب على الشعب.. وفوق كل هذا لأنه يؤسس لدولة
بوليسية واسعة النطاق تستمد حياتها من القهر وضرب النخبة الحالمة بمزيد من الديمقراطية.
ان أسوأ واقع واجهته مصر قبل الثورة هو موت
الضمير في النخبة حتى لم يبقى غير فنانين وسياسيين، وكتاب حالمين بالتغيير
ومتأكدين انه سيحصل.. على طريقة هشام الجخ عندما يبني نظام مصر "مبنى
للشحاتة" فان الأمور تصل إلى شعور سخيف.. هشام شاب مصري عجن بلون الشارع
وكلام الشارع.. واحس بوطن يموت ورأى النيل يجف.. ورأى المعونة الأمريكية كرمز
لتجارة نظام بشعب المفروض انه غير محتاج.
ما حدث كان عملية قهر واسعة من رئيس
ديكتاتوري بدأ يتاجر في لقمة الشعب، والأخطر من ذلك هو خنوع النخبة الذي انتشر
كعدوى ضربت الحركة الانعتاقية الحرة في الصميم وحولت
الوطنيين الى مجرد عشاق كلام
في حين أنهم لم يكونوا احسن حالا من الشابي الذي كان قلبه يذرف الدموع ليقول لتونس
ان عليها ان تتغير.. لكن التوانسة لم يغيروا ولم يتغييروا الا بعد دعوته بكثير..
كثير من الزمن.. بعد ان مات.
الكتابة في عصر "بيع الشنب" وبيع
"المراكز القبلية" و"بيع الضمير" تشبه عملية تفاخر مقيتة.. ان
الانسان يظهر كما لو كان داعية او واعظا لمجتمع يسبح بحمد الزعيم.. إننا اليوم في
موريتانيا فعلا أمام نخبة تتواطأ مع الحاكم لقتل روح التحرك.. وقتل شعب بأكمله،
يعيش على اغلى شواطئ العالم ويبلغ بحكومة ولد محمد لقظف ان تحتقره لحد توزيع سمك
"اليايبوي" على فقراء الصفيح المرحلين، في مواعيد التظاهر.
ان كثيرا ممن التقيتهم من النخبة يقولون
بطريقة ما بأنني غبي لأنني اتكلم بصراحة عن انه يجب إنهاء حكم محمد ولد عبد العزيز
وانني اعرض حياة اسرتي الصغيرة للخطر وان "من يمكن لبخاره الساخن ان يطبخ
جثتك في ثواني لا تحاول ان تجعل منه خصما".. وانه يجب على الواحد ان يعيش في
سلام ويترك مناهضة العسكر لأنهم قوة لا تقهر..!
لماذا علمونا في المدارس ان "المنافق هو
الساكت عن الحق"؟ كيف لمجتمع مسلم يريد الجنة ويلبس رجاله العمائم وعشرة
امتار من القماش وتلبس نساؤه أكثر الملابس كثافة في العالم ويتفاخر بانه
"مسلم 100% ان يقبل الظلم ويتآمر على الحقيقة؟
لماذا قالوا لنا ان المستعمر "الذي كان
قوة قاهرة ولا يزال" تمت مقاومته من طرف ابطال الصحراء بادوات بسيطة وفي
معارك سجلهاالتاريخ؟ لماذا يتبعون نبيا أميا خاض حربا ضد اكبر قوة في الجزيرة
العربية والعالم وترك مبادئ ينتفض من اجلها اليوم الناس بعد الاساءة اليها والى
الرسول صلى الله عليه وسلم، مع اقل احترام لأبسط هذه المبادئ وهي ان ضاغية عسكريا
ينتهك حقوق الناس ويحكم بقبضة من حديد يجب ان يقال له ان يرحل؟ وان من لا يجد قوت
يومه جاز له الخروج على الناس حاملا سيفه، احرى ان يخرج في مظاهرة او يكتب مقالا؟
انني لا افهم حقا هذا التناقض المرير
القاتل.. ان في موريتانيا على الارجح ثغرات في الروح الاجتماعية والثقافية.. تسببت
في ان يكون الحصول على المال فوق الضمير.. وهذه الحالة بدون شك يجب ان تنتهي.. فما
فائدة الحفاظ بقتالية غريبة على بكارة بنت.. والتصفيق لفك بكارة وطن بأكمله؟
ما فائدة احترام أئمة يوالون الطاغية ويبيعون
عرق الجياع المؤمنين؟ وما فائدة الصفاء الديني والنفاق السياسي عندما يجتمعون في
روح واحدة؟!! هذه اسئلة من الواجب الوقوف عندها لمراجعة كاركتر التعامل الاجتماعي
والسياسي.
ان عملية قتل الضمير تستمر للأسف وبشكل مرعب،
انها سند استراتيجي لعملية النهب التي تنتهجها "جماعة اللصوص" المحيطة
بالرئيس، انهم يسحلون وطننا بكل برودة أعصاب، والمشكلة ان الشارع يريد أكل عيش ولا
يريد قيام ثورة.. لكن الحقيقة المؤسفة ان كل الشعوب التي ظلمت كانت تريد ان تأكل
عيشا وتترك للحاكم السلطة المطلقة.. لهذا تحديدا استمر الظلم ولهذا تحديدا حدثت
ثورات.
لكن عندما نقرأ الأمور بالمقلوب فاننا ندرك
حجم التناقض الواقع، ليست المشكلة الوحيدة ان نحافظ على أرزاقنا الهزيلة في ظل
حاكم متسلط ونرضى بأكل الخبز مقابل تقبل الذل.. الكارثة ان الأجيال الجديدة
ستحتقرنا اكثر لأننا اشعنا ثقافة الركوع للعسكر، تماما كما لنا الحق في ان نشتم
أرواح الجيل الذي قبلنا لأنه سمح للعسكر باختطاف السلطة وتكريس ديمقراطية
"المواطن تحت الحذاء" وهم يتفرجون وياكلون ويشربون وينجبون..
انني اخشى ان تسأني ابنتي زينب ذات يوم تلك
الاسئلة المرحلية: لماذا كنت تنام وتأكل وتشرب وتنجب.. وانت تعلم انني سأدرس في
مدرسة هزيلة ولن أتلقى علاجا نافعا وستدهسني سيارة شرطة عندما أقرر التظاهر؟
لماذا كنت تضحك وتشرب القهوة وانت تعلم ان
عسكريا مجنونا قد يبعث بلطجيته لتتحرش بي في ساحة وسط المدينة عندما اخرج للمطالبة
بالحقوق.. يتحرشون بي امام الشرطة وامام الناس.. ناس مثل الدجاج متعودون على أكل
حبات زرع والخلود الى الأقفاص.. ناس مستعدون لرؤية مواطن يخضع للتعذيب دون ان يشكل
ذلك مشكلة؟
لماذا تعلمني اشياء انت نفسك وابناءجيلك من
سيبيعها مقابل دراعة من بازاه وسيارة ورصيد في البنك وآلاف الشتائم والحقارة..؟
لو مات الف رجل موريتاني هل كان هيدالة ليحكم
البلاد في انقلاب عسكري؟.. ولو مات رجال بعد الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله هل
كان عزيز ليحكم البلد متحديا كل قوانين الوجود والمنطق والحكمة والدين.. وبكل
سفالة؟ انكم جيل يمجد الجنس والمال ويرضى ان يعيش في مذلة.. تلك عبارات من الصعب
تحملها.. لكنها الحقيقة التي ستواجهون في عمر يفترض ان نخلد فيه الى الراحة.
من المؤكد ان الجمال والأزهار لا تنموا عندما
تدوسها أحذية العسكر، لكن المؤكد أيضا ان الربيع لم يتأخر عن هذه الارض.. عن هذه
الصحراء.. عبثا.
ان قبول القهر هو خيانة للجيل القادم.. انه
من الصعب ان نجلس لنحكي لهم وهم في سن المراهقة اننا سكتنا على نهب الوطن.. وسمحنا
لعسكري متهور ان يبيع المحيط لـ 25 عاما لشركة صينية مقابل عرس فاخر لابنته، وان
هذا العسكري كان يترك ابنه المتهور يبطش حاملا مسدسه يطلق النار على أي فتاة لم
ترضى ان تشاركه السرير..
وان رجالا كثر ركعوا في قصر الرئاسة من اجل
المال.. اننا سنعيش على الأرجح العقود الاخيرة من أعمارنا ونحن ننزل عيوننا للأرض
اذا واصلنا السماح بتجسيد الركوع عند اقدام رجل لا يستحق.
سالت مرة صديقين في مكان مختلف، برشلونه
ومدريد عن سر احترام الكبار في بلد غير مسلم.. كانت الاجابة متقاربة: لانهم اسسوا
كل هذه الحرية والمنشآت التي نفخر بها اليوم.. اننا نرد لهم الجميل لانهم حافظوا
لنا على مناخ الحرية والديمقراطية وحب البناء والعلم..
هل فعلنا شيئا مشابها لتفخر بنا اجيال
المستقبل؟
ان الجيل الذي قبلنا قبل بطريقة ما ان يستمر
الظلم.. وربما كان قليل الحيلة في كثير مواقف.. وسطر بعض رجالاته وهم قلة صفحات محترمة
في حياتهم لا يريدون بها جزاء ولا شكورا اكثر من ارضاء الضمير.. والتمسك بموقف
مشرف في زفة النفاق هذه.
في كل الاحوال اننا غير مآخذين كجيل غاضب..
اننا تعرضنا للضرب في المدارس.. وعشنا في الشوارع ..عشنا في ميراث من السياسة
المتخبطة، تعلمنا 18 عاما في مدارس الحكومة لنجد ان أبناء الاغنياء يضحكون علينا
لاننا لم نتعلم شيئا، وأننا لا نعرف كيف نفتح جهاز كمبيوتر فيما كانوا يستمتعون في
عواصم العالم بسعر العرق الذي سال على وجوه ابائنا في خدمة الحكومة..
تخرجنا لنجد اننا نحفظ قصيدتين وبعض
المقالات.. فهرعنا لإنقاذ أنفسنا كأننا كائنات قادمة من وراء التاريخ.. اخذنا
نتعلم من جديد ابجديات الحياة..
كان الاغنياء يبعثونهم اولادهم -ولا يزالون-
على حساب ميزانية الدولة للسياحة في عواصم العالم، شاهدنا آباءنا وأمهاتنا يحفرون
الصخر للحصول على قطعة خبز تدفئ أجسانا العارية في شتاء الزمن، راينا الجفاف يزحف
على قرانا الصغيرة، راينا البطون المنتفخة من ثروة بلادنا المسروقة، اكلنا سمك
الشوك في حين ان شواطئنا غنية، راينا علاماتنا في الامتحانات تتراجع لتفسح المكان
لـ "حمير الفصول" كي ينالوا منحة للخارج، راينا تزوير المسابقات.. تزوير
الشهادات.. تزوير الباكلوريا، وتزوير بطاقة التعريف غير القابلة للتزوير، وراينا
الاميين يحصدون التعيينات والمكافآت المالية.. وعندما فتحنا افواهنا ذات يوم ساطع
سلطت الحكومة علينا المجرمين والشرطة والدرك.. وقادتنا الى الزنازين..
وتفاخر "راسبوتينات القصر" بان الجواسيس ايضا كانوا يتظاهرون معنا..
كل هذا كان استمرارا لجريمة العسكر منذ
1978.. ولا تزال حفلة الاغتصاب مستمرة.
اننا مستعدين للموت في قضية دينية او سياسية
او اجتماعية، لكن من يطلب منا ان نعيش لنموت بلا هدف فهو امر غريب.. نحن جيل من
القنابل الموقوقتة سينفجر في أي لحظة وستؤلم شظاياه اجسادا كثيرة.. حينها سينادي
منافق آخر ان هذه فتنة.. انها ليست فتنة.. انها ردة فعل تتشكل عبر التاريخ.
ان المعارضة الحقيقية هي تلك التي تقطع رأس
الحية.. والبلد الذي لدغ بالسموم عصورا بحاجة لمن يداوي جسده الذي يكاد يذوي.. تجب
ازاحة عزيز من السلطة وبناء دولة مدنية، يجب ان لا يستمر الحاكم في نهب خيرات
الشعب ليشتري بها ادوات قمع المواطنين.. ويواجه فقط بافواه غبية تريد فقط ان تفهم
كيف تنافق.. تريد اتقان نوع النفاق الذي يريده الجنرال وهو في الحقيقة بحكم شخصيته
المترددة لا يريد نوعا واحدا من النفاق انه يريد كل انواعه لمزيد من تجسيد مذلة كل
من يلتحقون بركبه.
انني منذ فترة لم اعد احترم كثيرا من الرجال
في موريتانيا.. السبب بسيط، مع كل تاريخهم في السياسة والاقتصاد والمعرفة فانهم
اعجز من مواجهة رجل اختطف السلطة في حقارة واضحة وقطع أرزاق الناس، وقال: افعلوا
ما تشاءون لن ابرح القصر.. ومن تكلم سيكون موعده مع الزنازين، وإذا لم تكفي..
سنبني سجونا جديدة..
ان النخبة التي اتخذت قرارات نهائية بان عزيز
عليه ان يرحل لا تزال مقيدة بفلول من المنافقين السياسيين.. هؤلاء وحدهم لا يفكرون
غدا في اجابة الجيل الجيدد على اسئلة المرحلية.. لانهم اصا غير مهتمين بالماضي ولا
الحاضر ولا المستقبل..
ان الجيش يجب ان ينسحب من حياة السياسة
الموريتانية، وبشكل نهائي، وعزيز يجب ان يكون اول عسكري يتم ابعاده لصنع اللحظة
الواقعية، واستمرار الركون الى الهدوء لا يعني غير مزيد من النذالة الاجتماعية
والتواطئ ضد الوطن، والنخبة الوطنية تتحمل كامل المسؤولية التاريخية في هذه اللحظة
واللحظات القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق