معروف أن مدينة نواذيبو، التي أعلنت منطقة حرة
في سابقة في تاريخ موريتانيا، ستكون مدعوة إلى التكفل بالجوانب الإدارية السريعة
والسهلة لقدوم كل البضائع والمواد، كما أن عليها أن تهتم بالبضاعة عند شحنها
لمغادرة المدينة سواء في باخرة أو في طائرة أو في شاحنة. وستكون نواذيبو
مطالبة
بتخزين خاص وخزانات خاصة للبضائع والمواد، وسيكون
عليها أن تضمن التسجيل المعلوماتي الدقيق لكل البضائع والمواد، وعليها أن تكون
قادرة تقنيا على توزيع البضاعة وتدقيق عمليات إعادة نقلها إلى وجهتها الأخيرة.
وسيكون على المدينة أن تحوز محلات تجارية كبيرة ومكاتب فارهة وقاعات عرض وهيئات
عبور ذات كفاءة ومصارف وشركات تأمين حقيقية لا علاقة لها بما هو معروف الآن في
موريتانيا لأنها تتعامل مع مستثمرين أجانب ولأنها تنافس مناطق تجارية عالمية لها
تجارب طويلة مثل طنجه القريبة.
وسيكون من اللازم على مدينة انواذيبو
أن تملك شبكة اتصالات قوية ونظام انترنيت سريع. ولن يكون باستطاعة المنطقة الحرة
في نواذيبو أن تنافس مثيلاتها إلا إذا حصلت على مؤسسات حراسة يوثق بها ونظام شرطة
قوي ويد عاملة محفزة. كما أن شفافية القانون واستقلال القضاء ومرونة الإجراءات،
تظل شروطا أساسية لنجاح المدينة في أن تدخل مصاف المناطق الحرة عالميا.
أهداف المنطقة الحرة
لقد أنشئت المناطق الحرة لتكون آلية للتخطيط
بغية المساهمة في التنمية الاقتصادية. وإن للمناطق الحرة إيجابياتها كما أن لها
سلبياتها. ورغم أن العصور الوسطى، وملوك الامبراطورية الرومانية، عرفوا نوعا من
المناطق الحرة التي خلقوها لتزيد في تدفق البضاعة في بلدانهم، إلا أن العصر الحديث
شهد تطورا لافتا لهذه الظاهرة الاقتصادية. وقد مثلت شنزهين في الصين (التي أنشئت
سنة 1979) إحدى أشهر المناطق الحرة في العالم.
وتعتبر زيادة الصادرات واحدا من أهم أهداف
المناطق الحرة، فغالبية هذه المناطق عبارة عن تجمعات محددة المكان، معفية من
الحقوق الوطنية المترتبة على الإيراد والتصدير، وهي تعمل رسميا خارج نطاق جمارك
البلد الذي توجد فيه. وتقوم الحكومات في البلدان التي توجد بها مناطق حرة بالكثير
من التحفيزات من بينها ما هو ضريبي وما هو تنظيمي وما هو إداري وما هو مالي بغية
جلب الاستثمارات.
وتوجد أربعة أنواع من المناطق الحرة: مناطق
التبادل الحر، المناطق الحرة الصناعية للتصدير، المناطق الاقتصادية الخاصة،
والمناطق الصناعية.
"مناطق التبادل الحر" توجد في الغالب
بمحاذاة الموانئ أو المطارات، وتمنح فرصا للإعفاء من الضرائب الوطنية على
الاستيراد والتصدير بخصوص المواد التي يعاد تصديرها. أما "المناطق الحرة
الصناعية للتصدير" فمتخصصة في تصدير المواد ذات القيمة المضافة العالية.
وبخصوص المناطق "الاقتصادية الخاصة" فإنها عادة ما تطبق استراتيجية
متعددة القطاعات، وهي موجهة إلى السوق الداخلي والسوق الخارجي. وتقدم هي الأخرى
تحفيزات كبيرة على شكل بنى تحتية وإعفاء من الضرائب وحقوق الجمركة، كما تستفيد من
الإجراءات الإدارية المسهلة. وفي ما يتعلق بـ"المناطق الصناعية" فإنها
متخصصة في النشاطات الاقتصادية الخاصة مثل الإعلام والأقمشة مع بنية تحتية ملائمة.
إن المنطقة الحرة هي حيّـز جغرافي محدد تستفيد
فيه الشركات من مجموعة من التحفيزات بالمقارنة مع الشركات العاملة في وسط ضريبي
وقانوني عادي. وتعمل أنواع المناطق الحرة بطرق مختلفة منها الموانئ الحرة والمناطق
التجارية الحرة (التي تشكل المجموعة الأقدم من المناطق الحرة). ويعتبر هذا النمط
مناطق واسعة معفية من حقوق الجمركة وتوجد فيها مصانع حقيقية يمكن تصدير بضائعها
وموادها المصنوعة محليا أو المحولة صناعيا. كذلك المحلات والمستودعات الحرة، وتوجد
عموما في الموانئ والمطارات الدولة. وفي هذا الحيز الصغير نسبيا يمكن للبضائع أن
تستورد دون جمركة ويمكن للمواد أن يتم تعديلها أو تجميعها أو تغليفها قبل حملها
إلى وجهتها النهائية حيث تخضع للجمركة المحلية. مثال هذا النوع من المناطق الحرة
نجده في روتردام ولوهافر. كما أن هناك "التجارة خارج الجمركة" وهي
حوانيت صغيرة تزين المطارات والموانئ وموجهة أساسا للمسافرين، وتوجد بها ماركات
نادرة من العطور والأزياء والسجائر والخمور والأجهزة الألكترونية الصغيرة وبعض
الكماليات الجميلة، وتضمن للمشترين أن يقتنوا مواد ثمينة دون أن يتعرضوا للجمركة.
هذا النوع من المناطق الحرة يوجد أيضا داخل بعض الطائرات والبواخر.
في سنة 2005 بلغ عدد المناطق الحرة في العالم
860 منطقة توفر 30 مليون فرصة عمل.
أما في إفريقيا فأول منطقة حرة قد تم إنشاؤها
في المملكة المغربية سنة 1962، تلتها جزيرة موريس سنة 1971 وتونس سنة 1972 ومصر
والسينغال سنة 1974 وليبيريا سنة 1975 وساحل العاج سنة 1976 والتوغو سنة 1977
والزايير سنة 1979...
وتوجد اليوم مئات المناطق الحرة في العالم
بأسره. وتعتبر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المثال الأبرز على نجاحات المناطق
التجارية الحرة. فمن مدينة دبي الإماراتية (رائدة الإقتصاد الرقمي في مجال الإعلام
والانترنيت)، إلى منطقة طنجه الحرة (بالمملكة المغربية)، مرورا بمنطقة خليج السويد
بمصر، لا نعدم إنجازات اقتصادية ملموسة حققتها فكرة المنطقة الحرة على صعيد
التبادل التجاري والاستثمارات.
وسوف نأخذ هنا أمثلة من المناطق الحرة بمنطقة
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تضم 73 منطقة حرة.
منطقة طنجه الحرة
على ضفة جبل طارق، الواقعة فقط على بعد 14 كيلومتر من أوربا،
يجلب ميناء طنجه الكتاب والفنانين والسياح خالقا لنفسه صيتا عالميا باعتباره ملتقى
طرق صناعية وتجارية شجعته المنطقة الحرة التي يمثلها. لقد تم تدشين المنطقة الحرة
في طنجه سنة 1999 وانطلق العمل بها رسميا سنة 2000. وتغطي المنطقة الحرة بطنجه 345 هكتار وتحتضن قرابة
400 شركة.
ويقول المراقبون ان منطقة طنجه الحرة استطاعت،
على مدى عشر سنوات، أن تحقق استثمارات بلغت 500 مليون يورو، كما خلقت 40 ألف فرصة
عمل. وفي سنة 2008 مثلت منطقة طنجه الحرة واحد على عشرة من صادرات المغرب أي ما
يعادل 1,2 مليار يورو.
ويمكن لمنطقة طنجه الحرة أن تكون أكبر منافس
حقيقي لمنطقة نواذيبو الحرة باعتبارها الأقرب إليها.
منطقة دبي الحرة
المنطقة الحرة في دبي عبارة عن ميناء يدعى
ميناء جبل عالي الذي أنشئ سنة 1985. وتعد هذه المنطقة إحدى أكثر المناطق الحرة
المزدهرة عالميا. وكان هذا الميناء بمثابة نقطة بحرية ترسو عليها البواخر الكبيرة
لتفرغ حمولتها التي تأخذها قوارب وبواخر صغيرة لتوزعها على بقية موانئ الخليج.
وكانت المواد والبضائع معفية من الرسوم الجمركية على الإيرادات. وبعد أن ازدهر
ميناء دبي، بفعل المنطقة الحرة، عمدت السلطات الإماراتية إلى زيادة المناطق الحرة
لتبلغ الآن أكثر من ثلث المناطق الحرة في كافة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
المناطق الحرة في مصر
تعود بداية نشاطات ستة من المناطق الحرة التسعة
في مصر إلى 1994. ومن أشهر هذه المناطق مدينة الانتاج الإعلامي والمنطقة
الاقتصادية الخاصة شمال غرب خليج السويد. ومنذ 2007 تقوم السلطات المصرية بإنشاء
مناطق حرة باسم مناطق الاستثمارات. وتتميز هذه المناطق بسهولة الاجراءات الإدارية
ووجود بنى تحتية ذات جودة وتسيير مخوصص من أجل جلب المستثمرين.
في سنة 2008 شغـّـلت المناطق الحرة في مصر 136
ألف شخص. وفي السنة المالية 2007-2008 استأثرت بنسبة 20% من الصادرات الإجمالية
للبلد.
المناطق الحرة في الأردن
توجد في الأردن سبع مناطق حرة أكثرها ازدهارا
المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة التي تحتضن أكثر من 300 شركة بالإضافة إلى
استثمارات تقدر بـ 400 مليون دولار. وقد انشئت في الأردن ثلاث مناطق حرة منذ العام
2001.
الفوائد المترتبة على المناطق الحرة
المنطقة الحرة تمنح جملة من الاستفادات من
بينها، بالنسبة للأجانب، مرونة القوانين المتعلقة بالملكية العقارية، وسهولة
الإجراءات الإدارية، وشفافية سوق العمل، وإلغاء القوانين والنظم الخاصة بالعقود
المحدودة زمنيا.
ولإعطاء أمثلة على التشجيعات التي تقدمها
المناطق الحرة نأخذ الجزائر ومصر والكويت والإمارات التي تعفي تماما من الضرائب كل
العائدات والشركات الأجنبية المستثمرة في مناطقها الحرة. وفي لبنان والمغرب واليمن
يُعتبر المستثمرون معفيين من الضرائب على الشركات لمدد تختلف من بلد لآخر.
وبالنسبة لليمن فإن الدولة تلغي تماما ضريبة عائدات العمال الأجانب، فيما تعفيهم
الأردن من تلك الضرائب لمدة 12 سنة.
شروط نجاح المنطقة الحرة
لا يمكن للمنطقة الحرة أن تنجح إلا إذا كان
الوسط ملائما من حيث السياسات المايكرواقتصادية، وأسعار الصرف، وقوانين الملكية
الخاصة، وقوانين الاستثمار، والنظم المتعلقة بسوق العمل، ومردودية الرأسمال
البشري، وتوفر الأمن، واستقلال وصرامة القضاء.
ويجب أن يكون سعر المكالمات والماء والكهرباء
رخيصا إن لم يكن مجانيا على الأقل في السنوات الأولى لقيام أية منشأة صناعية أو
استثمارية من أجل تشجيعها على البقاء وتشجيع مثيلاتها على الاستثمار في المنطقة.
ومعروف أن المناطق الحرة تمنع ميزانية الدولة
من جزء من الضرائب والرسوم. وبالتالي فقبل البدء في العمل بأية منطقة حرة يكون
لزاما تحليل المردودية والاستفادات ومقارنتها بما ستخسره الدولة من نقص في الضرائب
ومن بنى تحتية مسؤولة عن إقامتها على نفقتها كشرط لقيام منطقة حرة قادرة على جلب
المستثمرين والموردين والمصدرين.
إن جذب الاستثمارات والمستثمرين يظل هدفا كبيرا
بالنسبة للمناطق الحرة، لكنه يشكل وبالا إن لم يتم استغلاله لصالح الاقتصاد الوطني
بشكل عام وبكل قطاعاته وعلى عموم التراب الوطني.
ويجب على المناطق الحرة أن توفر بنى تحتية جيدة
ومقنعة ومنافسة في ميادين الطرق والاتصالات وشبكة المياه والنقل العمومي
والمستشفيات والمدارس... ما ستكون فاتورته باهظة على الدولة والبلدية طبعا.
ولابد لحكومة تريد صنع منطقة حرة قادرة على
منافسة المناطق الحرة المنتشرة في العالم أن تقيم منشآت جيدة وتقدم سياسة مقنعة
بالنسبة لأصحاب الاستثمارات. وقد يتطلب الأمر، مثلا، منح قطع أرضية مجانية للشركات
الأجنبية وضمان معاملة إدارية متميزة لصالح هذه الشركات...
أساليب مبتكرة لإنجاح المنطقة الحرة
بعض الدول اخترعت طرقا جديدة للإقناع
المستثمرين بولوج مناطقها الحرة. فجزيرة موريس، مثلا، عرّفت المنطقة الحرة بأنها
"كل قطعة أرضية على كافة التراب الموريسي توجد عليها شركة تحمل رخصة تمنحها
حق الاستفادة مما توفره المنطقة الحرة". وبهذا يكون من حق المستثمرين أن
يفتحوا مؤسسات في أي مكان يختارونه من التراب الوطني بالجزيرة. أما البرازيل فقد
اخترعت ما يعرف لديها بـ"المنطقة الحرة للمؤسسات الصناعية الأجنبية التي تنتج
خصيصا للسوق المحلي"، مما مكن البلد من تطوير صناعات التلفزات والسيارات
والدراجات النارية وغيرها.
المآخذ على المنطقة الحرة
يعتبر مناهضو الليبرالية أن المناطق الحرة ليست
إلا طعاما مسمما يقدمه الفكر الرأسمالي إلى البلدان النامية للاستفادة منها على
حسابها. ويرى هؤلاء أن المؤسسات القوية، الغربية أساسا، تتحرر في مثل هذه المناطق
من وصاية وسلطة وحضور الدولة التي عادة ما تحرجها في نشاطاتها الاقتصادية من خلال
الإكراهات الإدارية والقانونية والضريبية. ويؤكد هؤلاء أن المناطق الحرة تمنح
الشركات إمكانية استغلال العمال ببشاعة لصالح أصحاب الأسهم.
رد الليبراليين
يرى الليبراليون أن تراجع الدولة لصالح
الاستثمار شيء مفيد في المناطق الحرة، وأن هذه المناطق هي أحسن وسيلة لخلق
ميكانيزمات عملية تخفف من سلطان الدولة الذي يشكل عبئا على الاستثمارات، وأن
المناطق الحرة تعتبر وسيلة مثلى للتخفيف من وطأة الأزمات الاقتصادية وتنمية
البلدان.
المنطقة الحرة حق للفقراء أولا
بعض الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية، تختار
المناطق الحرة حسب حاجة البلدات والمدن. ويُنظر عند اختيار المنطقة الحرة في مثل
هذه البلدان إلى مستوى الفقر الذي يجب أن يتجاوز الـ 25% من عدد السكان كي تتمكن
المنطقة وساكنوها من الاستفادة الفعلية مما توفره المنطقة الحرة، كما أن هذه
البلدان تنظر أيضا إلى مستوى البطالة الذي يجب أن يتجاوز الـ 50% من المعدل الوطني
ليكون من حق المنطقة الحصول على منطقة حرة خاصة بها عن بقية مقاطعات وولايات
الوطن. إن مثل هذه المعايير يضمن للأماكن الأكثر فقرا أن تستفيد، ويمنع الأماكن
الأكثر رفاهية من أن تستفيد حصريا على حساب المناطق الفقيرة. فالدولة في مثل هذه
الحالة تقوم بموازنة لصالح المناطق الأكثر فقرا وهشاشة.
وترفض الدول التي تعتمد هذه الصيغة تطبيق بعض
المعايير اللازمة في المناطق الحرة عموما مثل النظافة وتحديد عتبة الرواتب، وتكتفي
بتخفيف الضرائب وتسهيل بعض الإجراءات في مجالات الإدارة والعقارات.
المناطق الحضرية الحرة
يوجد في بعض البلدان، كفرنسا، ما يعرف
بـ"المناطق الحضرية الحرة" التي يزيد سكانها على 10 آلاف نسمة وتعتبر
على المستوى الوطني مهمشة بحيث تكثر فيها البطالة ويكثر فيها التسرب المدرسي.
وتتمتع المؤسسات العاملة في مثل هذه المناطق بجملة من الاستفادات كالإعفاء من
الضرائب لمدة خمس سنوات لصالح الأسعار والعمالة وبالتالي لصالح السكان الذين
يعتبرون فقراء في بلدهم.
المنطقة الحرة: صنيعة ومبررات البنك الدولي
لقد اقترح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي
والاتحاد الأوربي على الدول النامية تسهيل الاستثمارات الأجنبية الخاصة لصالح
تنميتها المحلية. وتمت ترجمة هذا البعد الليبرالي، المشفوع بعمليات خوصصة كبيرة،
بوضع مناطق حرة واندماج بعض البلدان في مناطق تبادل تجاري حر.
وتهدف المناطق الحرة، حسب رأي مؤسسات ابروتن
وودس، إلى خلق فرص عمل، وتعزيز الميزان التجاري بجلب العملات الصعبة وزيادة
الصادرات، والمساهمة في اندماج أكبر بين صناعات ومنتوجات البلدان المتقدمة
والبلدان النامية، ورفع مستوى التنافسية الدولية للصناعات الوطنية، ورفع كفاءات
العمال، وتسهيل نقل التكنولوجيا، والحفاظ على اليد العاملة في بلدانها الأصلية
وبالتالي إيقاف الهجرة والهجرة السرية.
المصدر : صوت العمال العدد 297
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق